علمتني تجربة

 

مسألة الشكل والمضمون

أتجول بين رفوف الكتب في مكتبة صغيرة، ولفت إنتباهي كتاب ذو غلاف أنيق بعنوان مبهر، شعرت وكأن الكتاب يناسب أفكاري والحالة التي أشعر بها، فاشتريته دون تفكير، كنت متحمسة للغوص في صفحاته، لكن ما إن بدأت القراءة حتى شعرت بخيبة أمل كبيرة. كانت الكلمات سطحية، والمضمون يفتقر للعمق لا يناسب مستوى التوقعات التي صنعها العنوان والغلاف. بعدما أنهيت القراءة شعرت بالغضب تجاه الكاتب كنت أنتظر أن يتغير شيء وعلى أمل أن يصبح المضمون جميل ولكن لم يكن وبعد التفكير بالحدث أيقنت أن  ذلك كان درسًا لا يُنسى: لا تحكم على الشيء من عنوانه.

تأملت من حولي ليس كل ما يلمع ذهبا فكم من الأشخاص نلتقيهم فتبهرنا هيئتهم أو طريقة كلامهم، لكن عند التعمق في شخصياتهم ومعاشرتهم نكتشف انهم بعكس التوقعات، بالمقابل، هناك من نقابلهم ولا يلفتون انتباهنا في البداية، لكن مع مرور الوقت نكتشف جمال أرواحهم وصدق نواياهم، ونتمنى لو عرفناهم من قبل.

إن مسألة الشكل والمضمون لا تقتصر على الكتب أو الأشخاص فحسب، بل تمتد إلى كل شيء في هذه الحياة. الشكل هو ما نراه ويجذبنا في المرحلة الأولى ولكنه غالبًا يكون غلافًا فقط، أما المضمون فهو الجوهر والحقيقة الداخلية التي قد تأسرنا أو تجعلنا ننفر بعد أن نكتشفها.

هذا لا يعني أن الشكل غير مهم، فالشكل هو ما يجعلنا نلتفت ونقترب لكن يجب ألا نتغاضى عن المضمون الذي يحدد القيمة الحقيقية؛ الكتاب الجميل من الخارج لا يساوي شيئًا إذا كان محتواه فارغًا، والشخص ذو المظهر الجذاب لا يُعتبر رائعًا إذا كانت روحه قبيحة.

ومن هذه التجربة أدركت أن الشكل والمضمون لا يمكن فصلهما؛ الشكل يجذبنا لكنه لا يكفي وحده، والمضمون يثبت قيمته لكنه يحتاج إلى مظهر يعبر عنه. تعلمت أن أُعادل بينهما وألا أنخدع بالمظاهر أو أقلل من أهميتها، لأن الجمال الحقيقي يتحقق عندما ينسجم الظاهر مع الباطن، ويكمل كل منهما الآخر، لذلك أصبحت أكثر وعيًا بأهمية البحث عن المضمون دون الإغفال عن الشكل.وأخيراً، متى سيستيقظ الإنسان ويدرك أن الظاهر مهمًا، لكنه لا يغني عن الاهتمام بالعمق الذي يعكس حقيقية الأشياء؟.

زينب حمادي